الحوسني: المال أمر مهم في حياة الإنسان يحتاجه للتشارك مع الآخرين وتبادل المنافع المختلفة
الإسلام وجّه أتباعه لكسبه بالحلال وأخذه من حله ووضعه في حله -
الكدح لأجل الحصول على الرزق تربية للنفوس على العزة والكرامة وتقدير الذات -
أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -
أكد الدكتور صالح بن سعيد الحوسني أن المال أمر مهم في حياة الإنسان يحتاجه للتشارك مع الآخرين وتبادل المنافع المختلفة، ولذلك الإسلام وجّه أتباعه لكسبه بالحلال وأخذه من حله ووضعه في حله. وأوضح الحوسني إن الكدح لأجل الحصول على الرزق تربية للنفوس على العزة والكرامة وتقدير الذات.
وأشار إلى أن الزكاة.. تطهير نفس المزكي وتلفت أنظار الأغنياء إلى تفقد أحوال الفقراء، ودعا المجتمع أن يقف وقفة رحيمة مع الذين تكالبت عليهم الديون بسبب سد الحاجات الشخصية.. وإلى ما جاء في اللقاء.
ما هو المال وما مدى أهميته في حياة الإنسان؟
المال في صورة ميسرة هو كل ما يمكن للشخص أن يحوزه وينتفع به سواء كان ذلك المال عينا كالنقود أو الذهب أو السيارة مثلا أو منفعة كالانتفاع من سكنى الدار، وله عند أهل الاختصاص تقسيمات متعددة كالعقار أو الأشياء المنقولة، وبعض المال يُستهلك بالانتفاع به كالمواد الغذائية، وبعضها يمكن استعماله مرات عديدة كالكتاب مثلا والأدوات المختلفة، وبعضها يمكن نقله كالأثاث مثلا، ومنه ما يؤكل، والبعض الآخر لا يمكن نقله بحال من الأحوال كالأراضي والبيوت، وهكذا من تقسيمات المال المختلفة التي عنيت بها كتب الفقه والاقتصاد.
والمال أمر مهم في حياة الإنسان لأنه -أي الإنسان- كائن اجتماعي يحتاج إلى التشارك مع الآخرين وتبادل المنافع المختلفة، فهو يحتاج إلى مكان يأوي إليه يقيه من حرارة الصيف وبرودة الشتاء، ويأمن فيه على نفسه وأهله، ويحفظ فيه متاعه وأغراضه، ويستقبل فيه ضيوفه، ويكون مرجعًا له بعد عمله وسفره، وهو كذلك يحتاج إلى غذاء يأكله من مختلف أصناف الغذاء من الخضار والفواكه، واللحوم وسائر المطعوماتً المختلفة، وكذا بحاجة إلى لباس يستر به عورته ويظهر به بمظهر مناسب أما الآخرين، وهو بحاجة إلى النفقة على زوجته وأبنائه وسائر من أُمر بالنفقة عليه، ومن الطبيعي أن جميع تلك الخدمات والحاجات لا يمكن أن توفر بدون مقابل وإنما لا بد من الحصول على المال نظير الانتفاع أو الحصول على تلك الخدمات الضرورية والمختلفة.
كيف وجه الإسلام أفراده لكسب المال؟
وإذا كان المال على ما بينا من فائدته وأهميته فإن الإسلام وجّه أتباعه للكسب الحلال لهذا المال وذلك بأخذه من حله ووضعه في حله، فنظم الكثير من التعاملات المختلفة، وبين الجائز منها من غيره، فأمر بالجد والعمل قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وبين أن الكدح لأجل الحصول على الرزق أمر محمود وإن كان في عمل بسيط لا يكترث به الناس فقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه»، وما ذلك إلا لأجل تربية النفوس على العزة والكرامة وتقدير الذات، فينبغي للمسلم أن يأكل من جهده وأن يسعى لكسب القوت كما قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور). وبين عليه الصلاة والسلام أن خير ما يأكله الإنسان هو من عمل يده فقال: «ما أكل أحد طعامًا قط خير له من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده»، وحكى لنا القرآن الكريم عن سيدنا داود أن كان يصنع الدروع فقال: (وعلمناه صنعة لبوس لكم)، وهكذا كان الأنبياء والصالحون يضربون في هذه الأرض طلبًا للمعاش حتى أن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رعى الغنم على قراريط لأهل مكة، ومع ذلك قد يصل المال لهذا الإنسان من خلال الميراث أو الهبة وغيرها من الطرق المباحة والمشروعة.
ما هي نظرة الإسلام إلى المال؟
ينظر الإسلام إلى المال على أنه مال الله تعالى، فهو المالك الحقيقي لكل ما على هذه الأرض (لله ملك السماوات والأرض)، وما الإنسان إلا مستخلفا في هذا المال وذلك معناه أنه لا يمكنه التصرف في هذا المال دون مالكه الأصيل، فقال تعالى: (وأتوهم من مال الله الذي آتاكم)، وقال: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)، وفي ذلك بيان واضح أن على الإنسان أن يسير وفق توجيه صاحب المال الحقيقي فلا يكسب هذا المال إلا من حله ولا يضعه إلا في موضعه الصحيح، فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لن تزولا قدما عبد من عند ربه يوم القيامة حتى يسأل عن خمس؛ عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن ماذا عمل فيما علم»، وقد حفلت الآيات القرآنية بالكثير من الضوابط الشرعية في وجوه مختلفة من الكسب، فأباح الله البيع وحرم الربا قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا)، ونهى عن أكل أموال الناس بالباطل فقال: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل..)، وحرم أكل أموال اليتامى فقال: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)، وحرم أيضا الرشوة فقال: «لعن الله الراشي والمرتشي..»، بل كان النداء عظيما والخطب جسيما في الاقتراب من أموال الناس عامة فقال عليه الصلاة والسلام: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب عليه النار، قيل له وإن كان شيئا يسيرا، قال: وإن كان قضيبا من أراك».
ما هو الفرق بين النظام الإسلامي في التعامل مع المال وبقية التوجهات والتيارات الأخرى؟
المال محبوب إلى النفوس كما قال تعالى: (وتحبون المال حبا جما)، وقال: (وإنه لحب الخير لشديد)، وقد تباينت النظريات الأرضية في موقفها تجاه المال فالرأسمالية مثلا أطلقت العنان لكسب المال دون حدود أو ضوابط، ومن غير مراعاة لحقوق وحاجات الآخرين، فأباحت الربا الذي هو آفة من الآفات الخطيرة التي تمتص حاجات الفقراء والمحرومين وتكدس الثروات الطائلة في أيدي قلة من المرابين الجشعين، وهناك نظام لا يقل قبحًا عن هذا النظام ألا وهو النظام الشيوعي الذي يسلب أصحاب الأموال أموالهم ويزيد أهل الفقر حاجة، ويجعل الجميع بيد حفنة من المتسلطين فألغت الملكية الخاصة وجعلت الناس في مستو واحد وهو نظام فاشل بيد أن النظام الإسلامي كما تقدم كان النظام الذي يلائم الفطر السوية فراعى حب التملك، ووضع الضوابط الشرعية على كسب المال وإنفاقه، بل أوجب إخراج جزء من هذا المال وفق ضوابط شرعية لمساعدة المحتاجين والمعوزين في أنواع الزكاة الواجبة والصدقات المختلفة.
ما أثر الزكاة على الفرد والمجتمع؟
الزكاة ركن ركين من أركان الإسلام التي تجب على المسلم وفق شروط معينة من نحو النصاب واستقرار الملك ومرور الحول، إلا الثمار التي يجب إخراج زكاتها في وقتها كما قال تعالى: (وأتوا حقه يوم حصاده)، وهي تهدف إلى تطهير نفس المزكي من البخل والشح وتخلصه من عبودية المال، وتلفت أنظار الأغنياء إلى تفقد أحوال الفقراء فليلتفتوا إليهم بالصدقة والإحسان، وتعين الفقراء على نوائب الحياة بالانتفاع من تلك الأموال وتقرب بين فئات المجتمع فيشعر الفقير بالمودة والشكر للغني، بجانب أنها تنشط قطاع التجارة في المجتمع بتحريك تلك الأموال في مختلف القطاعات والتي يرتقي بها المجتمع.
من هو الفقير الذي يجب أن يعان ويقدم له المساعدة؟
المصارف التي تصرف فيها الزكاة مختلفة كما قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) ومن أهمها الفقير وهو الذي قد اختلف في تعريفه، ومن أحسن ما قيل في وصفه بأنه الذي لا يكفي دخله لنفقاته الضرورية، وعليه فمن كان دخله كافيًا لنفقاته الضرورية فليس له أن يأخذ من الزكاة، وقد أطال الفقهاء الحديث في طبيعة تلك الحاجات التي يمكن أن تصرف فيها الزكاة للفقير فمنهم من قصر الزكاة على ما يُسد به الجوع وتستر به العورة، ومنهم من زاد على ذلك حتى وصل الأمر إلى أخذ الزكاة لأجل الزواج مع الحاجة إليه وقلة ذات اليد، وهنا تراعى الأحوال وخير الأمور أوسطها.
كيف شجع الإسلام أتباعه على البذل والسخاء؟
الإسلام نظام يقوم على البذل والسخاء والإيثار، وينهى أتباعه عن الشح والبخل وإمساك المال وتقتيره، بل وجه أتباعه لبذل المال والعناية بتفقد حاجات الناس في كل الأحوال ووعد على ذلك الأجر العظيم؛ كما قال تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانيةً لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، وقد وجه الإسلام إلى العناية بالأقربين والأبعدين فيما يخص المال فقال: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا).
ما هو دور المجتمع في المبادرات الإنسانية لمساعدة المعسرين والمكروبين؟
قد تظلم الدنيا في وجه أحدهم فتضطره الأحوال القاهرة والظروف الصعبة إلى الاستدانة لتغطية مصاريفه المختلفة، أو لينشئ مشروعًا يرى أنه مخلص له مما هو فيه من حاجة، وقد يستدين لتغطية مصاريف بناء بيت أو مشروع زواج، وقد يضاف لذلك سوء التدبير والتخطيط في التعامل مع الدخل المتاح فيجره ذلك أو بعضه إلى تزاحم الدانيين الذين يطالبونه بالسداد، وهو لا يملك شيئًا فيؤول أمره إلى السجن والحبس وهو أمر شديد على النفس بجانب آثاره الأسرية والاقتصادية المختلفة.
وهنا لا بد للمجتمع من وقفة رحيمة مع هؤلاء الذين تكالبت عليهم الديون بسبب سد الحاجات الشخصية وربما أن بعضهم قد دخل السجن نتيجة مبالغ قليلة من الريالات، ويكون دور المجتمع وأهل الإحسان بالوقوف مع هذه الحالات بالنظر في أسبابها ومعالجة آثارها وتسديد تبعاتها والحيلولة دون وقوعها مرة أخرى، ومما جاء في هدي النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على المسارعة إلى ذلك فقد جاء عن جرير قوله: أنه جاء قوم عراة مجتابي النمار (أي مشقوقي الملابس) عامتهم من مضر فتمعر وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- (أي تغير وحزن) لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال.. ليتصدق رجل من ديناره؛ من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب.. حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة...”فهنا نجد الإيثار والتعاون والإحسان في أجمل صوره وهو ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم عندما يرى الكرب حل بأخيه والهم قد غشي بيت جار له أو قريب أو بعيد بأن يسارع إلى مساعدته فمن نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة.
ما المقترحات حول ظاهرة مساعدة المكروبين وأهل الديون المختلفة؟
في نظري المتواضع أن يقوم بهذا الأمر الفرق الخيرية المنتشرة في كافة ولايات السلطنة وذلك لأنهم مؤهلون لذلك بسبب وقوفهم على تلك الحالات الحقيقية التي تستحق المساعدة والبذل وذلك بالتعاون من الجهات القضائية وفق ما يتيحه القانون في ذلك مع مراعاة أن تكون هذه الديون للأغراض الشخصية، ولم تستغل في أمور منكرة باطلة، مع مراعاة عدم وجود القدرة على السداد من المال الخاص، وأن تكون المساعدة لمرة واحدة فقط ويستثنى من ذلك من كان مضطرًا للاستدانة مرة أخرى، وينبغي لمن كان قاصرًا عن التعامل مع المال أن يوجه ببعض النصائح والتوجيهات حتى لا يقع في شرك ومخاطر الدين مرة أخرى وأن يحسن وضع كل شيء في موضعه فيقدم الأهم على المهم وأن يحرص على التخطيط السليم لموارده المالية، ومن كان عاطلا عن عمل فهنا دور المجتمع أن يهيئ له عملًا مناسبًا يقتات بريعه ويكفيه عن مذلة السؤال وكما يقول المثل: لا تعطني سمكة بل علمني كيف اصطاد.